مفارقة راسِل
مفارقة راسِل
برتراند راسل هو فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني
لتنزيل المقالة بصيغة PDF اضغط هنا
برتراند راسل هو فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني
لتنزيل المقالة بصيغة PDF اضغط هنا
أحمد صبي مثابر ومجتهد في دروسه، ويحب الرياضيات كثيرا، لكنه يعاني
من مشكلة تنظيم وقته وينسى أحيانا بعض المهام التي يتوجب عليه أن يتمها، حدث معه
مرّة أن ذهب إلى المدرسة وقد نسي أن يحل وظيفته المدرسية في الرياضيات، مما استدعى
معلمه أن يرسل رسالة نصية إلى أمه التي كانت في انتظار أحمد عند عودته من المدرسة
في ذلك اليوم، لكنها لم تحدّثه عن ذلك عندما عاد وإنما حضّرت له سفرة الغداء بعدما
رحبت به بقبلة طبعتها على جبينه مثلما جرت العادة، وعلى مائدة الغداء أخبر أحمد
أمه بالذي حصل مع معلم الرياضيات، فقالت له:
-
عندي لك حل لهذه المشكلة.
-
ما الحل يا أمي؟
-
أقترح عليك أن تكتب مهامك على قصاصة ورقة كل
يوم وتُبقي الورقة أمامك، وفقط مع انهائك كل مهمة تُمرّر عليها خطًّا بالقلم،
وهكذا لن تنسى أي شيء لا سيما وظائفك.
استحسن أحمد الفكرة ووعد أمه أن يجربها، فاقترحت عليه أن يبدأ بها من اليوم
بعد أن يتمّ تناول طعام الغداء، وقالت له أنها ستذهب اليوم لزيارة خالته. ولكي تحفّزه
على أداء المهام أضافت: زد على مهامك مهمة أن تصوِّر لي لائحة المهام بعد أن تنجز
كل المهام التي فيها وترسل الصورة إلى هاتفي. وشدَّدت على أن يرسل إليها اللائحة
فقط بعد إنجازه كل المهام لكيلا يزعجها برسائله. فسعد أحمد وشرع بكتابة المهام بعد
أن اتفق مع أمه على ما أرادت وبعد أن أنهى غداءه فكتب:
وبعد أن كتب أحمد ما أراد فعله من مهام تحفَّز وبدأ ينجز ما كتب في
اللائحة، وفي هذه الأثناء ودّعته أمه ذاهبة لزيارة أختها، بينما استمر أحمد في
انجاز مهامه المكتوبة في اللائحة بهمة عالية ونشاط، وعند إتمامه المهمة الرابعة
انبسط وسُرَّ جدًا وذهب لإحضار هاتفه لكي يصوِّر لائحة المهام ويرسلها لأمّه كما
طلبت منه، وكما هو مكتوب في المهمة الخامسة. لكنه انتبه لأمر ما وتساءل بينه وبين
نفسه، هل يرسل لائحة المهام بهذا الشكل:
أم يرسلها بهذا الشكل:
فإن هو أرسل الصورة الأولى لأمه، فقد أرسل إليها لائحة المهام دون أن ينجز
كل المهام المكتوبة في اللائحة، فالمهمة الخامسة لم ينجزها بعد، وهو على خلاف ما اتفق
مع والدته.
وإن هو أرسل لها الثانية، فقد قام بشطب المهمة الخامسة دون أن يتمّها بعد،
وهو أيضًا على خلاف ما اتفق مع والدته، فماذا يفعل؟
*****
لهذه المفارقة يوجد قصة أخرى، ويطلق عليها مفارقة الحَلَّاق، وقصتها هي أن
في إحدى القرى يوجد حلّاق واحد فقط، وقد أخذ على عاتقه أن يحلق لكل الذين لا
يحلقون لأنفسهم في القرية وفقط هم، أي من يقوم بحلاقة شعره بنفسه لا يحلق له
الحلاق، وإنما هو يحلق للذين لا يحلقون لأنفسهم، وكانت مشكلة الحلاق هي السؤال: من
يحلق للحلاق؟
فإذا هو حلق لنفسه فقد خلَّ بالشرط، فهو يحلق فقط للذين لا يحلقون لأنفسهم،
وإن هو لم يحلق لنفسه، فقد جعل نفسه ضمن لائحة الذين يحلقون لأنفسهم، أي أنه
يتوجّب عليه أن يحلق لنفسه، فمن يحلق للحلاق؟
*****
لنطرح المفارقة الآن بصورة عامة وبلغة أدق وأشمل، أي بلغة العلوم -الرياضيات-
وقبل أن نفعل ذلك سنُعَرِّج على تعريف بعض الضروريات الجميلة مثل المجموعات، وإن
كنا قد ذكرنا كلمة مجموعات فسنتطرّق أيضا لتعريف بعض الأمور البسيطة في نظرية
المجموعات قبل أن نعود لمفارقة راسل ونجيب على السؤالين:
1. ماذا يفعل أحمد، وأي صورة عليه أن يرسل لوالدته؟
2. من يحلق للحلاق؟


على العموم، المجموعات لا تقتصر على الأعداد والأرقام، فبإمكاننا تعريف
مجوعة عناصرها بيت وسيارة والعدد 8 مثلا، وتُكتب بهذا الشكل:
كما أن المجموعة قد تتضمّنُ عددا لانهائيا من العناصر، خذ على سبيل المثال مجموعة
الأعداد الموجبة، أو مجموعة الأعداد السالبة، أو مجموعة الأعداد الزوجية ...

زد على ذلك أن المجموعة قد تحوي وتتضمّن مجموعات، أي بإمكاننا أن نُعَرّف
مجموعة مجموعات، مثلا إذا نظرنا إلى المجموعات الثلاث التالية:
والسؤال المطروح الآن، هل هناك مجموعة تحوي
وتتضمّن جميع المجموعات الموجودة؟
الجواب على هذا السؤال هو جواب أيضا على
السؤالين أعلاه، وهو كالتالي: "لا توجد مجموعة تحوي جميع المجموعات"
وإليكم السبب:
لنفرض جدلا وعلى خلاف الصحيح وجود مجموعة تحوي
جميع المجموعات، ولنُطلق عليها اسم مجموعة كل المجموعات، وإذا كانت مجموعة كل
المجموعات هي بذاتها مجموعة، فهي أيضا موجودة كعنصر في ذاتها، فهي تحوي جميع
المجموعات وبالذات ذاتها، وهو ما لا يمكن أن يتحقق.
بكلام آخر لا توجد مجموعة تحوي ذاتها كعنصر
بها، وهذا ما سنثبته في الأسطر القليلة القادمة:
سنفرض جدلا أن هذا الأمر ممكن، أي أن هناك
مجموعات تتضمن ذاتها كعنصر بها، ولننظر إلى مجموعة كل المجموعات التي لا تتضمن
ذاتها كعنصر بها، ولنطلق على هذه المجموعة اسم المجموعة الفريدة.
أي أن المجموعة الفريدة هي مجموعة جميع
المجموعات التي لا تتضمن ذاتها كعنصر بذاتها. والسؤال المطروح:
هل المجموعة الفريدة ضمن هذه المجموعات؟ أي هل
المجموعة الفريدة تحوي وتتضمن ذاتها؟
إذا كان الجواب نعم، فإن المجموعة الفريدة لم
تعد مجموعة كل المجموعات التي لا تتضمن ذاتها، فهي ذاتها موجودة بذاتها.
وإذا كان الجواب لا، أي أن المجموعة الفريدة لا
تتضمن ذاتها، فحريٌّ بها أن تكون من عناصر المجموعة الفريدة، وذلك لأن المجموعة
الفريدة هي مجموعة كل المجموعات التي لا تتضمّن ذاتها.
وهنا حصل التناقض، وسبب هذا التناقض هو فرضيتنا
الخاطئة في إمكانية وجود مجموعة تتضمن ذاتها كعنصر بها، إذًا هذا الأمر غير ممكن،
أي لا توجد مجموعة تتضمن ذاتها كعنصر بها، وبالتالي لا توجد مجموعة تحوي كل المجموعات
وإلا كانت هي عنصر بذاتها وهو ما أثبتنا قبل قليل استحالته.
السؤال المطروح الآن، ما علاقة مجموعة كل
المجموعات بلائحة مهام أحمد والحلاق؟
رأينا آنفا، وأثبتنا استحالة وجود مثل هذه المجموعة
(مجموعة كل المجموعات)، وهذا لاستحالة وجود مجموعة تتضمن ذاتها كعنصر بها، لذلك
إذا نظرنا إلى لائحة مهام أحمد التي كتبها، فهي تتضمن ذاتها كمهمة بحد ذاتها، أو
على وجه الدقة كجزء من المهمة الخامسة، وهي ذات المهمة (الخامسة) التي استوقفت
أحمد وأحدثت الإشكال لديه في إرسال الصورة الأولى لأمه أم الثانية، ما فعله أحمد
إذا هو أنه افترض وجود مجموعة تحوي ذاتها، أو لائحة مهام يتوجب عليه اتمامها تحوي
ذاتها كمهمة مدرجة ليتمها، وذلك عندما قام بكتابتها على قصاصة الورق، وهذا ما لا
يمكن وجوده، لذلك كان التناقض، أو الإشكال الذي أحدث بذهن أحمد السؤال عن أي صورة
يتوجب عليه أن يرسلها لوالدته، وهو سؤال لا يصح في ظل افتراض وجود ما لا يمكن
وجوده.
أما عن الحلاق، أو مجموعة الأشخاص الذين أراد الحلاق
أن يريح نفسه من الحلاقة لهم، فهي أشبه بالمجموعة الفريدة، وذلك إذا سألنا السؤال
هل الحلاق عنصر من عناصر هذه المجموعة أم هو عنصر بالمجموعة الثانية، وهو ما
يَخِلُّ بشرط التواجد في المجموعة في الحالتين. وإن كنا قد برهنا استحالة وجود
المجموعة الفريدة، وبالتالي استحالة وجود مجموعة الأشخاص الذين أراد الحلاق أن
يريح نفسه من الحلاقة لهم، أو المجموعة الثانية على حد سواء، فإن السؤال من سيحلق
للحلاق أو إلى أي مجموعة ينتمي الحلاق هو سؤال لا يصح، وذلك لاستحالة وجود مثل هذه
المجموعات.
( تم )
إسلام عكرية
تعليقات
إرسال تعليق